الأحد، 28 مارس 2010

العربية

كانت تكتب اللغة العربية في أيام ازدهارها بدون استخدام النقاط التي نستخدمها اليوم ولم يكن يواجه العرب مشكلة في ذلك أو حاجة للنقاط؛ ولكن كيف كان يتم التمييز بين الحروف؟ والجواب على هذا السوال سهل ولا يحتاج إلى الكثير من التفكير، فقد كانوا يعتمدون بشكل رئيسي على خبرتهم والمامهم وسيطرتهم الكاملة على اللغة العربية، وهنالك مثال حي على ذلك فكما هو معروف اننا اليوم لا نستخدم التشكيل في رسمنا للغة ومع ذلك نقوم بقراءة ونطق الكلمات المتشابهة الاحرف وغير متشابهة الاحرف بشكل صحيح معتمدين في ذلك على المعرفة باللغة ومن سياق معنى الجملة ونورد هنا مثال لكلمات متشابهة الاحرف وهي الكلمات (قبل ) والتي نستطيع وبكل سهولة نطقها بشكلها الصحيح رغم التشابه الكامل في رسمها وهي بدون تشكيل، كما في الجملة التالية (قبل الخروج من دارها اوسعتها في خدها بما استطعت من قبل.) والجملة (لولا اني ساومت التاجر حتى قبل ما كان عرضي قد قبل) وبالإضافة إلى معرفتهم التامة باللغة كان يوجد هناك شيء آخر ثانوي يساعدهم على التمييز بين الاحرف المتشابهة وهو شكل الحرف وامتداده في السطر على سبيل المثال الحرف (ت) أطول من الحرف (ن) في السطر والحرف (ق) أقصر من الحرف (ف) ولكن هذه الفروق كانت غير كافية وصعبة التمييز من قبل الدارسين للغة العربية من غير العرب والذين اقبلوا على دراسة وتعلم العربية بعد ظهور وانتشار الإسلام ونظرا لتلك الحاجة تم اضافة اثنان وعشرين نقطة ووزعت بين خمسة عشر حرفا من احرف اللغة العربية الثمانية والعشرين لتمييزها عن الاحرف المشابهة لها. والى اليوم ما زالت اللغة العربية حية في أذهان العرب رغم تعدد اللهجات واختلافها كثيرا عن العربية إلى ان الفصحى هي الاسهل في كتابتها و قراءتها من أي لهجة أخرى.

الاثنين، 8 مارس 2010

حرب الصيف والجنوب (الجزء الثالث)

في صباح الخامس من مايو 1994م بينما كنت أنا في قاعة الامتحانات في المدرسة أقوم بأداء آخر الامتحانات النهائية للصف الأول من المرحلة الثانوية يطل أحد المدرسين من باب القاعة بخبر إستقاه من الاذاعة البرنامج العام وكنا جميعا نترقب سماعه رئيس الجمهورية يعلن حالة الطوارئ في البلاد. في فجر ذلك اليوم كانت طائرات تابعة لمعسكرات الجيش في الجنوب بقيادة الحزب الاشتراكي قد قامت بشن غارة على العاصمة صنعاء وقد تم اعتراضها بالمضادات الجوية بشكل كثيف من أنحاء متفرقة من المدينة بالإضافة إلى طائرات أخرى اقلعت بهدف اعتراض الطائرات المهاجمة وسقوط أحد الطائرات حسب شهود عيان والتي تضاربت رواياتهم حول ان الطائرة التي تم اسقاطها هي أحد الطائرات المهاجمة أم انها طائرة مدافعة واسقطت بالخطأ، ضجيج الطائرات و أصوات المضادات والدخان في سماء العاصمة أمر لم يعهده الكثير من سكان صنعاء مما آثار الرعب ودفع بالكثيرين إلى النزوح من المدينة إلى المناطق الريفية . انهيت الامتحان في ظهر ذلك اليوم و عدت إلى البيت مسرورا فقد غلبت فرحتي بانهاءي الامتحانات في ذلك الوقت خاصة قلقي من تطورات الأزمة و اشتعال الحرب بين المتصارعين على الحكم في اليمن . أصل إلى البيت لأجد فيه عمي وأسرته وأخي الأكبر وأسرته تاركين منازلهم واعمالهم خلفهم في صنعاء وفارين بحياتهم وحياة أطفالهم من سعير الحرب وأسمع عمي وهو يندب حظه ويبدي ندمه على الأيام التي امضاها في حياته مكافحا من أجل بناء منزل يضمه وأسرته في صنعاء وعدم التفكير في بنائه في مسقط راسه في الريف. اندلعت الحرب على كافة جبهات القتال بين الجيش في الجنوب تحت قيادة نائب رئيس الجمهورية و بعض من كبار قادة الحزب الاشتراكي على رأسهم رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر أبوبكر العطاس والجيش في الشمال تحت قيادة رئيس الجمهورية وحزبه و يسانده حزب الاصلاح الحاصل على ثاني أكبر نسبة مقاعد في البرلمان بعد حزب المؤتمر (حزب الرئيس) رئيس الجمهورية يجدد اتهامه لنائبه وللحزب الاشتراكي بأنهم يسعون إلى الانفصال و انهم انفصاليين وان حربه ضدهم هي حرب للدفاع عن وحدة الوطن ودستور الجمهورية اليمنية المستفتى عليه من الشعب وضد من يريد النكوث به واعادة تشطير اليمن بعد ان تمت الوحدة في الثاني والعشرين من مايو 1990م وأطلق شعار الوحدة أو الموت لحربه وتم إقصاء الحزب الاشتراكي من الحكومة التي كان يترأسها وشكلت حكومة جديدة برأسة المؤتمر من حزبي الموتمر و الاصلاح الذان كانا يتمتعان بأغلبية برلمانية تؤهلهما لذلك بدون مشاركة الحزب الاشتراكي. سبعة عشر يوما تفصلنا عن الذكرى الرابعة لاعادة توحيد اليمن وتستمر المعارك و تعلن الحكومة عن قائمة المطلوبين بتهمة الخروج عن الدستور والقانون والسعي لتقسيم الوطن بإشعال الحرب وهم ستة عشر على رأسهم علي سالم البيض و حيدر أبو بكر العطاس. يتلقى الحزب الاشتراكي دعما خارجيا بالاسلحة والطائرات الحديثة و على رأس الداعمين له جارة اليمن الدولة النفطية المملكة العربية السعودية. خلال السبعة عشر يوما الاولى من الحرب ظل الحزب الاشتراكي متمسكا بخيار الوحدة ونافيا الاتهامات الموجهة اليه بسعيه لتقسيم اليمن. على الأرض تحقق وحدات الجيش بقيادة الرئيس بمساندة شعبية واسعة خاصة من الشمال ومشاركة بعض المتطوعين الأسلاميين المناهضين للماركسية تقدما على وحدات الجيش بقيادة نائب الرئيس المقال والتي لم تحظى بأي مساندة شعبية إلى اليسير في مناطق محصورة بمدينة الضالع. وفي ليلة الحادي والعشرين من نفس الشهر (مايو 1994) يعلن علي سالم البيض عبر اذاعة وقناة عدن استقلاله بجنوب اليمن تحت اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بنفس الاسم والعلم والحدود الذي كانت علية دولة جنوب اليمن التي زالت مع نظيرتها دولة شمال اليمن الجمهورية العربية اليمنية بظهور الجمهورية اليمنية في العام 1990م. بذلك الاعلان يؤكد النائب صحة الاتهامات الموجهة ضده ويعزز موقف الرئيس السياسي ويضفي شرعية دستورية على ما يقوم به الرئيس، فالحرب بدأت ولم يعلن علي سالم البيض هدفه منها سوى ان هناك خلاف سياسي ووثيقة عهد واتفاق لم تنفذ وبدأ الصراع كأنه صراع بين طرفين في الحكم يريد كل منهما الاستئثار بالحكم لنفسه، لكن الرئيس دخل الحرب بدعوى ضد خصمه لم تكن مؤكدة واستنادا على أغلبية مجلس النواب ومتمسكا بدستور الجمهورية اليمنية شرع الرئيس بتنفيذ عملياته الهادفة حسب ادعاءاته إلى القاء القبض على على الانفصاليين الخارجين عن الشرعية الدستورية وتقديمهم للمحاكمة لينالو جزاءهم، بذلك الاعلان فقد علي سالم البيض كل الخيارات السياسية والعسكرية أمامه في ظل دولة واحدة وتبقى أمامه خيار واحد وهو خيار فرض الأمر الواقع عسكريا على أراضي الجنوب وذلك من خلال بسط نفوذه وسيطرته على كافة أراضي الجنوب التي أعلن استقلاله بها وكسب ولاء وتأييد الشعب. اما الرئيس فكان خيار تمسكه بدولة الوحدة لا يزال مطروحا أمامه خاصة بعد ان أكد خصمه للجميع صحة ادعاءاته التي بنا عليها الحرب بالإضافة إلى خيار الانفصال بشمال اليمن والرضوخ لرغبة علي سالم البيض، ولكن الرئيس علي عبدالله صالح ابدا صلابة واصرار قائد قوي الإرادة وواثق الخطى على المضي قدما في الخيار الانسب لليمن الذي ارتضاه كل اليمنيين رغم المخاطر العالية. تواصلت المعارك وتدخل مجلس الأمن الدولي باصدار قرار وقف اطلاق النار الذي لم يتم تنفيذه، فقد كان هدف كل طرف هو بسط النفوذ والسيطرة على أرض الجنوب وكسب ولائهم من أجل تعزيز موقفه السياسي. وواصلت قوات الشمال، أو قوات الشرعية الدستورية كما أحبت ان تطلق على نفسها، واصلت تقدمها بسرعة على الجبهات الشرقية بينما في الجبهة الجنوبية الغربية كانت تسير ببطء وسيطرت القوات الشمالية على معظم المناطق الشرقية ومنها مدينة المكلا بدون مقاومة تذكر اما مدينة عدن فقد تعرضت لحصار قبل سقوطها فقطع عنها الماء وتم قطع الارسال الاذاعي لاذاعة عدن من بعض محطات الارسال حول المدينة واستخدمها الجيش لتوجيه رسالته لسكان مدينة عدن بهدف استمالتهم واقناعهم بعدم المقاومة، وبعد حصار المدينة لعدة أيام وسقوط بعض ضواحيها في يد الجيش وتعرض سكان باقي اجزاء المدينة للعطش والخوف من القادم المجهول تمكن الجيش في صباح السابع من يوليو 1994م من بسط سيطرته على المدينة بكاملها وقام بعض أفراد الجيش والمتطوعين المستغلين بنهب ما نهبوه من منازل الستة عشر الفارين وبعض المرافق العامة واتلفو ما اتلفوه اما بعض قوافل الدعم الشعبي من المواد الغذائية التي كانت في طريقها لدعم الجيش فقد وجدت طريقها إلى سكان مدينة عدن المتضررين من الحصار والأمر المثير في ذلك ان بعض القائمين على البعض من عربات تلك القوافل قامو ببيع محتوياتها بالتجزئة للسكان المحتاجين واستلمو اموالا ليست لهم وكأنهم بذلك العمل يقومون برسم (الاحرف الأولي) لحقبة ما بعد الحرب في الجنوب. كان ذلك اليوم هو آخر أيام الحرب وهدىء كل شيء بعدها وابدى شعب الجنوب تعاونا كبيرا مع الوضع الجديد إذ لم يثيروا أي شغب أو احتجاج وهم بذلك وجهوا صفعة موجعة لكل المتآمرين والمراهنين على استقرار اليمن ووحدته في ذلك الوقت وعززوا موقف الرئيس مما اكسبه شعبية واسعة داخل البلاد ومكانة كبيرة خارجها. خلال الحرب تدهورت الأوضاع وانخفض سعر العملة المحلية بنسبة 50% تقريبا، لكن ما ان وضعت الحرب اوزارها حتى استعادت العملة قيمتها التي فقدتها خلال الحرب. واستبشر الناس خيرا وأعلن الرئيس عزمه على خوض حرب جديدة أكبر وأصعب من الحرب الاولى وأطلق عليها اسم الحرب الاقتصادية أو معركة البناء والاعمار وشرعت الحكومة في ذلك مباشرة بعد الحرب ابتداء بإجراء التعداد السكاني لباقي سكان الجمهورية الناجين.
الحرب تخلف ضحايا ومعاقين ودمارا . فالضحايا يتم كفالة أسرهم ومن يعولون، و المعاقين يتم تقديم الرعاية الصحية لهم وما يلزمهم من أجهزة تساعدهم على المضي في حياتهم واستمرار عطائهم، والدمار يتم إعادة بنائه.....
الحرب ماذا يمكنها ان تخلف من أضرار أيضا غير الضحايا والدمار؟ وكيف يمكن اكتشاف تلك الاضرار؟ وكيف يمكن علاجها؟ وماذا يمكن ان يحدث لو اغفلنا علاجها أو تباطأنا في علاجها وقام شخص هو عدو لنا بعلاجها ونجح؟